ﺍﻹﻋﻼﻡ.. ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻀﻠﻴﻞ ﻭﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻜﺬﺏ

حرية التعبير
article-image

محمد مسلم العبيدو-الياسمين

إنَّ من أهم السمات التي يجبُ أن يتصف بها الإعلامي بشكلٍ عام، هي المصداقيَّة وكشف الحقائق بصورةٍ دقيقةٍ ونقلها للجمهور بشكلٍ واقعيٍّ دون التضليل في المعلومات التي ليس لها علاقة بالحدث.

في هذه المقالة البحثية تم التركيز على الفجوات بين الإعلام وجمهور المتلقين وأهم الأدوار التي ساهمت في خلق هذه الفجوة حيث تم العمل عليها في جلستي حوار أقامها فريق الياسمين بالتعاون مع منظمة دور ومؤسسة شباب التغيير في مدينة سلقين حيث دعا أكثر من 15 إعلامياً و15 مدنياً من جمهور المتلقين في الشمال وذلك لاستنباط الفجوة الموجودة ومحاولة إيجاد أسبابها ووضع الحلول الممكنة والتي سيعمل فريق الياسمين على إيجاد الأرضية لحلها، ولم تكن جلستي الحوار وحيدتين في إعداد هذا البحث، إنما تم عبر أسئلة وجهت لإعلاميين ومتلقين.

 ويكمن دور الإعلام في كشف الحقائق وتثبيتها وتعزيزيها، وأيضاَ لتغييرها وتوظيفها في مواضع غير حقيقية، لإنَّ للإعلام مقدرةٌ كبيرةٌ على تدوير الحقائق لتصبَّ بصالح جهةٍ أو دولةٍ ما، لأنَّه لم يعد كما كان في السابق مجرّد خطاب بين فئتين، بل صار شريكاً واضحاً في صياغة الأحداث، وتطوير هذه الأحداث والوقائع وتصحيح اتجاهاتها.

 

فنَّ الصناعة والإعلام الهدَّام

تحوَّل الإعلام من مشروعٍ بنَّاءٍ يهدفُ لوضع الناس في صورةٍ واقعيةٍ يعرفون من خلالها الحقيقة السليمة، إلى مشروعٍ سياسيٍّ واقتصاديّ.

إذ باستطاعة وسيلة إعلامية أن تقنع الناس بأن هناك مؤامرةٌ كونيةٌ ضدَّهم وذلك من خلال استخدام هذه الوسيلة في بث الفقرات والجمل الكاذبة والصورة الملفّقة، وذلك ما ظهر جليَّاً في الوضع الراهن في سوريا، حيث استخدم نظام الأسد، الإعلام ومنصات الإعلام في تزوير الحقائق والمعطيات أمام الشعب السوري والمجتمع الدولي، وذلك من خلال تخلّيه عن أبسط قيم الإعلام، وذلك لكسب الرأي العام والوقوف جنباً إلى جنب مع النظام.

وتمكَّن إعلام النظام من خلق فجوةٍ كبيرةٍ بين فئات الشعب السوري، فهناك من هو مقتنعٌ بضلال النظام، وهناك من يرى الحقيقة بعينه دون الرجوع للإعلام، وخاصة المقيمين في الشَّمال السوري المحرَّر.

ومع الوقت كانت آلة إعلام النظام فعالةً إلى حدَّ ما في صناعة الحقيقة بشكل هدَّامٍ هدفه الأوَّل هو تزوير الوقائع سواءً من خلال المنصَّات الإعلامية أو الأشخاص الذين كانوا أبواقاً إعلاميَّةً للدفاع عن النظام.

 

ولا يمكن الوقوف عند حالة الحرب فقط، بل كان لإعلام النظام دوراً خبيثاً في تضليل بما يخصَّ فيروس كورونا، فعلى الرغم من أن مستشفيات النظام تغص بحالات الوفاة، بينما إعلام النظام يملاُ المواقع والمنصات بأخبار كاذبةٍ لا تمت للواقع بأي صلة، بأن الحياة في مناطق سيطرته طبيعية، والشعب يستمتع دون أي إجراءاتٍ احترازيَّة، ونجد نظام الأسد خرساً لا يُصرّح بما عنده من عدد الإصابات، خوفاً من فتح جبهات أخرى على بلاده (من الداخل والخارج) تساهم في الإطاحة برأسه، ولكنّه بنفس الوقت ينشر الأخبار المسرّبة عبر أدواته غير الرسميّة بالحالة السيئة التي تجتاح بلاده.

فالنظام بهذه السياسة وقلب الحقائق يلعب على الحبلين، فمن جهة يُظهر أنّه حريص على أمنه، ومُحكِم لسيطرته على بلاده، بعدم السماح للمغرضين بتفتيت قوى شعبه وضرب لُحمته وثني إرادته بالإشاعات، ومن جهة أخرى يقوم على نشر هذه الأخبار عبر قنواته الخلفيّة العميلة لأغراض خبيثة يرنو إليها.

فمن تلك الأغراض إشغال حاضنته بنفسها، وإلهاؤها بحفظ صحتها عن فساد نظامه المتهالك،  كما شغلها بلقمة عيشها جراء الحالة الاقتصادية المتهاوية. وكذلك يستعطف المجتمع الدولي نحو نظامه وفاقته الماليّة المأساويّة المتردّية بطريقة غير مُباشرة، وفي ذلك يرسل رسالة مُبطّنة لتخفيف الضغوط الاقتصاديّة الدوليّة عن بلاده في ظلّ هذه الأزمة، وخاصّة بعد تلك العقوبات التي فُرضتْ عليه تبعاً لقانون قيصر، فمن عادة هذا النظام التضحية بشعبه في سبيل سلامة حياته ومنصبه وعائلته.      

في المقابل، كان للشمال السوري نصيباً كبيراً في التضليل الإعلامي الذي طال الشعب السوري بكافة انتماءاته، حيث صار الإعلام في الشمال هوايةً يمارسها القاصي والداني وذلك بسبب غياب الوعي الكامل والأدوات اللازمة لاستخدامها في مواجهة إعلام النظام المضلل.

تحوَّل هدف الإعلام في الشمال السوري بنسبةٍ كبيرةٍ من كونه مسؤولاً عن إيصال معاناة السوريين للمجتمع الدولي، إلى هدفٍ شخصيٍّ بقصد الشهرة والظهور على الشاشات بمظهر العارف بكل شيء.

خلال العشر سنوات الماضية، لم يكن الإعلام في الشمال السوري موحداً بل كان منفصلاً إلى حدٍّ ما، حسب الانتماء الشخصي والفصائلي وخاصة في الأمور المتعلقة في الحرب العسكرية ضد قوات النظام.

ومع تطوَّر الأحداث، وفقدان النظام السيطرة على عددٍ كبيرٍ من المناطق في الشمال السوري، الأمر الذي أفسح المجال لعددٍ كبيرٍ من الأشخاص للاتجاه إلى العمل في المجال الإعلامي الذي كان ممنوعاً عند النظام أن يمارس بحريّة مطلقة.

لكن مع وجود الحريَّة بعد تحرير المناطق، لم يُستخدم الإعلام بشكله الصحيح، إذ صار بإمكان أي إعلامي أن يقول من خلال منصاته على مواقع التواصل ما يشاء دون التحقق والتدقيق، وخاصة في الأمور المتعلقة في الأمور العسكرية، وهذا ما شهدناه في الأشهر الأخيرة من خلال بثَّ الأخبار العشوائية.

مفهوم التضليل الإعلامي

ينحصر على توضيح قسم من الحقيقة أو البناء الخاطئ عن أحداث حقيقية وواضحة وموثقة، بهدف الوصول إلى تحقيق هدف هذا البناء الخاطئ في الأفكار أو الخلط بين عدة مفاهيم باعتبار أنها مرادفات لمعنى واحد، في حين يتم تغييب مفهوم أي عنصر من عناصر المزيج على حدة، فإذا كان بمقدور وسائل الإعلام نشر الثقافة والعلم والمعرفة وامداد الناس بالمعلومات والحقائق التي من الممكن أن تساهم في توسيع معرفتهم، فهي في نفس الوقت قادرة على تحريف وتزوير الحقائق، وبذلك تتمكن من فرض مفاهيم وآراء هابطة ومضادة لما يطمحون إليه من غايات وقيم اجتماعية سامية.

وبعد الحديث عن مفهوم التضليل الإعلامي، تأتي أهداف التضليل ويوجد عدة أهداف له، والتي يسعى من خلاها العاملون في مجال التضليل الإعلامي على: التعتيم على الأخبار الحقيقية، أو إخفاء جرائم الحروب، أو تهميش المواضيع المهمة وصرف أنظار الناس والمجتمع عنها، أو لخلق تغيير في تصرفات الأفراد أو الجماعات، ويوجد مجموعة من الأهداف تبين بشكل أوضح أهداف التضليل ومنها:

1-السلبية: وتعتبر من أهم ما يهدف إليه التضليل الإعلامي وتبدأ بالسلبية الفردية والتي تتحول إلى سلبية جماعية، وبدورها تجعل أمر قيادة العقول أسهل من قيادة جماعات إيجابية.

 

2-تفريغ الانفعالات: السلبية الجماعية أو الفردية من الممكن أن تحدث، لكن دون ضمان لاستمرارها وعدم تخليها عن موقفها الأصلي، فمن الممكن أن تحاول بعض العناصر إيقاظ الإيجابية ودفع القوى الاجتماعية للتحرك نحو التغيير أو محاولة التغيير، التي تمتلك مخزونًا من الانفعالات المكبوتة، والتي سيتم افراغها بطرق معينه للوصول إلى مرحلة العقول المخدرة وعندها من الصعب إفاقتها، وهنا تأتي عملية تفريغ الانفعالات من خلال توجيه العقول إلى أماكن تفريغها. 

3-توجيه الثقافة: من الممكن فرض نوع معين من الثقافة من خلال المطاردة المستمرة من وسائل الإعلام للمشاهد أو المتابع بل واستدراج العقول نحو ثقافات معينة واهتمامات محددة مسبقا تخدم بالطبع الهدف النهائي للتضليل الإعلامي، حسب ما تم استنباطه من نقاشات دارت في جلسة الحوار تغيير الثقافة: إذا أن توجيه الثقافة سَهُلَ في تغيير الثقافة بكاملها، وذلك من خلال تغيير الاهتمامات ومطاردة الجماهير بثقافات محددة لا يجدون مفرًا من معرفتها، وتغيير الثقافة لا يعني التغيير بأي نوع من الثقافة وإنما استبدال الثقافة بثقافة أخرى تخدم أهداف التضليل، وقد يصل إلى تغيير المفاهيم الدينية واستبدالها بمفاهيم خاطئة تتعارض مع الأحكام الدينية.

 

4-تعتيم الحقائق: إن التضليل الإعلامي يختار ما يناسبه من الحقائق، وما يدعم وجوده ويتوافق مع تحقيق أهدافه، ومن ثم يقوم بعرضها وبتلميعها لزيادة بريقها. تقرير وتبرير وتعزيز الوضع الراهن: ببساطة الإثبات الدائم بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وذلك ما يضمن إظهار الأنظمة بأنها تبذل قصارى جهدها ولا يوجد من يقترب من الجهد المبذول.

الإعلام المُتهور

من خلال العنوان نجدُ أنَّ الكثير من الأخبار الغير صحيحة يتم تداولها بين المدنيين في الشَّمال السوري، ومن بين هذه الأخبار التي من شأنها أن تشكل خطراً على حياتهم، والأمثلةُ كثيرة.

لعلَّ من أبرز هذه الأخبار، أن إعلاميٍّ ما يقولُ إن قوات النظام لم تسيطر على منطقة معينةٍ الأمر الذي يدفع بعض الأشخاص للذهاب إلى تلك المناطق بناءً على كلام هذا الإعلامي، أو الذهاب إلى تخوم تلك المناطق، التي ممكن أن تكون ملغمَّة أو مرصودةً من قوات النظام.

وهناك الكثير من الأخبار التي أدت إلى وفاة عددٍ من الأشخاص بسبب جهل صاحبها وسوء درايةٍ في الوضع الراهن.

ولا يمكن أن نتجاهل الأخبار التي كانت تصدر أثناء حملة نظام الأسد الشرسة على مناطق عدَّة بريف إدلب ولكم بعض الأمثلة:

أثناء القصف العنيف كانت تصدر أخبارٌ بناءً على توقعات أحد الإعلاميين أو الناشطين، بأن الطائرات الحربية التابعة لروسيا ونظام الأسد ستستهدف مكاناً ما أو حيَّاً ما، ما يسفر عن نزوح أهالي الحيَّ، وفي نهاية المطاف يكون الخبر كاذباً وليس له أي مصداقيَّة.

وهناك أيضاً نوعٌ من الأخبار المضلَّلة التي تٌعتبرُ على شكل تصريحاتٍ صادرةٍ من بعض الإعلاميين سواءً من الداخل أو الخارج، التي من شأنها أن ترفع سقف الطموحات أو تبثَّ الضعف في نفوس المدنيين الذين راحوا ضحيَّة الإعلامين، إعلام النظام المضلل وإعلام الثورة الغير دقيق.

وهناك الكثير من الأمثلة التي ممكن أن نسردها في مقالنا هذا، منها ما يتعلق بحياتنا اليومية التي نمارسها مع الآخرين، والتي تجسد التضليل حتى في الحياة.

الإعلام العشوائي

المتابع لمنصات التواصل الاجتماعي ذات التوجه الملغم يدرك ما مدى الخطر المحدق بالمجتمع في الشمال السوري والذي يستهدف شرائح محددة منه ألا وهم محدودي الثقافة أو المراهقين وغيرهم، نحن اليوم أمام سيل جارف يجب ان يتصدى لها عقلاء المجتمع ونخبهم والّا سوف نصل إلى ما لا يحمد عقباه.

وهذا ما يسمى الإعلام العشوائي أو الإعلام الأسود، ومن أبرز الأمثلة على هذا النوع من الإعلام:

إن أي جهةٍ إعلاميةٍ أو مرصد ميدانيٍّ متواجدٍ في الشمال السوري، بإمكانه أن يقتل ويأسر عدداً من عناصر قوات الأسد وهو مقيمٌ في بيته دون السعي وراء الواقع وعملية التحقق والتمحيص، وهذا ما يؤثر سلباً على المواقع الثوري الذي هو بأمس الحاجة لمنبرٍ إعلامي يكون بعيداً عن التضليل والعشوائية، لوضع المدنيين في الصورة الحقيقية للواقع.

ولعلَّ أبرز حدث ساخنٍ يدلُّ على الإعلام العشوائي، هو الفيديو الذي نشرته شبكة آرام الإعلامية ، عن عبد الله العمر، الذي يعتبرُ نفسه محترفاً في مجال الإعلام ومؤسس لأربع قنوات تلفزيونية (تلفزيون بلدنا، وتلفزيون الشهباء، وقناة حلب TV، وحلب الفضائية)، والذي لم يقدم شيئاً يذكر عن الإعلام سوى التبروز والشهرة.

والذي نقل في ظهوره معلومات لم تكن دقيقة أبداً، ونقلت صورة عن مخيمات اللاجئين بأنها تعيشُ في أحسن الظروف وتحصل على أفضل الخدمات.

تصريحٌ كهذا من شأنه أن يمنع المنظمات الإنسانيَّة من تقديم الخدمات للاجئين الذين يعشيون في وضعٍ صعبٍ ومزرٍ.

وسائل الإعلام العشوائي أو الأسود

تتنوع وسائل الإعلام الأسود بين الكذب الصريح وبين التحريف والتضخيم والمقصود به توصيل المعلومة محرفة أو خارج سياقها الصحيح لكي تشوه وعي المواطن، وهي درجات:

تحريف المعلومات: ومن أمثلة ذلك تحريف تصريح لشخصية عامة؛ بغرض تشويه صورته أو الاتجاه الذي يمثله.

التكتيم والتجاهل الإعلامي: ويقصد به إخفاء معلومات عن الرأي العام، أو إخفاء المتسبب الحقيقي في استمرار اشتعال الموقف.

المصادر المجهولة: وهو صياغة الخبر منسوباً لمصادر مجهولة، وعادة ما تلجأ الوسيلة الإعلامية إليه في نشر الشائعات الكاذبة لتوجيه الرأي العام أو التأثير عليه دون تحمل أدنى مسؤولية، مثل قول: "أفادت مصادرنا الخاصة، صرّحت مصادر مطلعة، تواترت الأنباء".

التهويل أو التضخيم: يقصد به المبالغة في تضخيم الحدث، مثل تركيز عدسة الكاميرا على جزء معين من الواقع.

بث الذعر: ويقصد به إثارة الفزع والخوف لدى جمهور المشاهدين أو القرّاء من شخص أو اتجاه بعينه عن طريق الإلحاح على فكرة الخطر البالغ الناتج عن تأييد هذا الشخص أو هذا الاتجاه حتى ينصرف الناس عن ذلك.

الكذب الصريح وقلب الصورة: يقصد به اختلاق معلومات غير حقيقية وكاذبة للتأثير على الرأي العام، أو توجيهه في اتجاه بعينه.

البلبلة: وهي من أشهر أساليب التضليل الإعلامي بنشر معلومات متضاربة يكذب بعضها بعضاً في الزمن الواحد أو المكان الواحد، بهدف إحداث حالة من البلبلة لدى الرأي العام.

التدليس: وهذا يظهر بنشر أخبار كاذبة ثم أخذ رأي خبراء فيها قبل أن يتبينوا صحتها، فتصل المعلومة للقارئ على أنها منقولة عن خبير، بينما الهدف توريط الخبير أو السياسي والتدليس على القارئ أو المشاهد.

الرأي العام ومجالات التضليل

الرأي العام هو موقف يتخذه الفرد أو الجماعة بسبب حادثة أو مشكلة ما، تحدث في الحياة، فهو يقوم في أسسه على مكونات كثيرة منها ثقافية وتربوية، فمنها ما يكون فطرياً يسير وفق سياقات شخصية العمل الاجتماعي لأي مجتمع، وفي الكثير من الأحيان يتم تسييرها بمعطيات مزيفة ومفبركة، من أناس تريد ترسيخ حالة الوعي المجتمعي، على فهم ظاهر ومعين، بحيث تحرف أو تغير فهم تلك الحادثة، لذلك ارتبطت نظرية الرأي العام بمعرفات وأدوات متنوعة، تختلف من حيث شدتها وقوتها وتوافرها وطبيعة الحدث وقوته وشدته، وقدرة امتلاك الجهات المؤثرة لأدوات خفية وظاهرة، تتمكن من خلالها إعادة صياغة ال{أي العام أو حرفه.

وتداخلت معدات المنهج الإعلامي كثيراً كاختصاص قريب وقوي من عملية صناعة الرأي العام (إعادة هيكلة وتشكيل، أو إعادة ضغط ونشر، وأحيانا الاكتفاء بحرف الاتجاه)، وفي معظم الأحيان يقوم الرأي العام بسردية كاملة، يتمكن من خلالها على إقناع الفرد والمجتمع، بغض النظر عن حقيقة أوجه ومقدمات هذه السردية، وغالباً ما تخضع صناعة الرأي العام المضلل والكاذب لتحليل آليات صناعة الأخبار الكاذبة والمضللة، واستراتيجية تطويق الرأي العام بالسرديات الزائفة للعامل في التضليل أو الفبركة، من خلال العمل على نموذج (لولب الحصار المعلوماتي) وهذا النمط يهتم بطريقة تحرير الأخبار المزيفة لربط الرأي العام والسيطرة عليه، من خلال التشويش على وسائل الإعلام بشكل عام لاستغلال بياناتها وخرق المنصات المنافسة في مرحلة أولى، والمرحلة الثانية تكون في ضخ المعلومات الزائفة والمفبركة عن طريق هجمات لولبية هائجة من قبل المفبركين، ثم التسويق الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي لفكرة الحدث, لخطاب شبكة المفبركين وسردياته البديلة، عبر جميع وسائل الإعلام التقليدية والجديدة للتأثير في الرأي العام معرفيًّا ونفسيًّا وسلوكيًّا في مرحلة ثالثة، وأفضل مثال على ذلك، هو ما تمر به حالة تشكل الوعي الثقافي والسياسي والاجتماعي في العراق، مع مقدار ما مورس بحق عملية التشكّل هذه من تضليل وتشويش وأكاذيب, حتى باتت العملية التحليلية الفطرية لدى كل فرد، يشوبها عدم الثقة وعدم الاطمئنان للمدخلات التي توجه نحوها، وباتت الحقيقة مساوية في نصوعها، مع ما يتم ضخه من أكاذيب وتشويش، كل ذلك حدث في إطار بالغ في حريته وتقبله لهذا النمط المعلوماتي المختلط، مع عدم قدرة المؤسسات الأكاديمية والتربوية والأخلاقية المجتمعية والسياسية، من إيجاد مناهج تعليم وتطوير ووقاية فكرية وتربوية، تتناسب في قوتها مع التطور والانفتاح الحاصل في عملية التثقيف السريعة والمتنامية، والتي ساهمت وسائل الإعلام الاجتماعي والسياسي، في بناء وتهديم الكثير من بناها الأساسية في المجتمع.

مكافحة التضليل الإعلامي

بات من الضروري أن يميز الجمهور بين الخبر الصريح والرأي الشخصي، لأن وسائل الإعلام تنشر العديد من الآراء والانطباعات لأحد العاملين فيها، وقد يكون هذا العامل قد مزج بين الرأي الشخصي وبين الصياغة الخبرية، فلا بد من الحذر والانتباه قد الإمكان.

ولقراءة أي خبرٍ منشور على أي وسيلةٍ إعلامية أو فردٍ إعلاميٍّ فلا بد من وضع العديد من الأمور في الحسبان، أهمها:

1ـ خلفية هذه الوسيلة أو هذا الإعلامي.

2ـ الخيارات التي تتبناها.

3ـ من يقف وراءها.

4ـ وما الهدف من نشر أخبار تدين أو تناصر طرفاً على آخر، أو نشر أخبار لقلب الوقائع وتغييرها.

5ـ لا تغتر بالعناوين، ومن أساليب الإثارة والجذب أن "تجعل من الحبة قبّة"، وهو ما تتجه إليه كثير من العناوين بحيل متنوعة، كإثارة سؤال أو تحدٍّ، أو استخدام كلمات تفيد الغموض كالسرّ والسبب والحقيقة، أو اجتزاء النص والإيهام بمعنى غير المقصود، أو الإغراب، أو غير ذلك مما يثير الفضول.

ولا يعد كل هذا تضليلا، بل إن بعضه من مهارات العمل الصحفي المطلوبة، لكن التضليل يكون حين يتعمد العنوان أن يوحي بشيء غير المضمون، وهذا يقع كثيرا عمدا أو خطأ.

لذا، عندما ينقل لك العنوان تصريحا أو يخبرك بنتيجة، فاحرص على أن تقرأ تفاصيل الخبر، وأن تتحقق من النتيجة، ولا تنخدع بأن الكتاب يُعرَف من عنوانه، فكثيرا ما يوضع العنوان ساخنا ليخفي برودة الموضوع.

كأن يتحدث العنوان عن "اتهامات خطيرة"، في حين يكون المضمون عاديا لا خطورة فيه، أو "أغرب كذا" ويكون طبيعيا لا غرابة فيه، أو "أهم كذا" ويكون غيره أهم منه، أو "الكشف عن اتصالات" وليس فيه أي كشف، بل هي اتصالات معلنة أصلا… وغير ذلك الكثير.

 

بعد التدقيق في الوسيلة الإعلامية، لا بد من التدقيق في الخبر المنشور نفسه، ومعرفة مصدره الأول، أي معرفة المصدر الذي اعتمدت عليه الوسيلة الإعلامية في نقل الخبر؛ إذ إن مصادر مثل شهود عيان أو ناشطين تُضَعِّف كثيرًا من مصداقية الخبر، ومثل هذه الأخبار يمكن فبركتها ببساطة؛ إذ يمكننا أن نخترع خبرًا ما، ثم ننسبه لناشطين أو شهود عيان، ولا شيء يؤكد الأمر. التأكد من وجود مصادر متعددة، متناقضة المصالح، يعطي للخبر مصداقية أكبر، والتدقيق أيضًا لا بد أن يشمل الصور والمقاطع المصوّرة، فليست كل صورة تأكيدًا لخبر ما، ولا حتى كل مقطع مصوَّر، ففبركة مثل هذه المقاطع والصور بات سهلًا كما نعلم، وهذا يستدعي الحذر من التعاطي معها، وعلى الأقل عدم نشرها بكثافة في وسائط التواصل الاجتماعي، من دون التأكد من صحتها.

 

إذا كان التدقيق في أخبار وسائل الإعلام التقليدية والمشهورة ضرورة في هذه المرحلة، فإن التدقيق في أخبار شبكات التواصل الاجتماعي، التي تنتشر بشكل سريع بيننا، هو أولى وأوجب، وبخاصة أن الكذب فيها كثير. أخطر ما يحصل هو استخدام أخبارٍ وصورٍ مفبركة؛ لتهييج الناس في اتجاهات سلبية، وإذا كان المرء لا يستطيع التدقيق في كل خبر، فعليه ألا يصدّق كل خبر؛ كي لا يقع ضحية التضليل، ويُمَرِّرَه عبر أجهزته للآخرين.

التعليقات

لا يوجد تعليقات، كن أول من يعلق

اقرأ أيضًا