مسيرة الإعلام وتأثيره على الراي العام للجماهير

حرية التعبير
article-image

 

 

                     مسيرة الإعلام ودوره في صنع القرار الجماهيري                     

                              الفجوة بين الخطاب الإعلامي وجمهور المتلقين                             

بقلم: محمود يوسف السويد.

إنَّ "ظاهرة الاتِّصال بين الأفراد والأمم والشُّعوب ظاهرةٌ قديمةٌ قدم الإنسان والأمم" ووجد الإعلام طريقه إلى جميع المجتمعات البشريَّة على الرَّغم من تباين الأزمنة والأمكنة والمستوى المعرفي لها، وتطور الإعلام عبر الزمان والعصور من كونه وسيلة اتصالية تعتمد على تبادل المعلومات ونقل الأخبار إلى معترك مهم ومؤثر قوي على حياة الشعوب والأمم.

ذلك لأنَّ الإنسان على مرِّ التَّاريخ ومع الحاجة إلى المأكل والمشرب والمأوى كان بحاجة إلى التَّعرف على ما حوله من موجودات مختلفة. الإعلام هو إحدى وسائل الاتصال التي يمكننا أن نقول إنها بدأت مع بداية البشرية.

                                                                                       الإعلام رافق نشأة الحضارات          

لو عدنا إلى الحضارات الإنسانية القديمة، سنجد أنهم استخدموا الإعلام في علاقاتهم وفي تسيير شؤونهم وفي توثيق مناحي حياتهم، نجد هذا جلياً في الحضارة الفرعونية كمثال.

 انتبه الفراعنة في مصر القديمة إلى المكانة العالية للإعلام ودوره في إدارة البلاد وتوجيه الجماهير، فاتخذوه وسيلة في ذلك وأصبح جزءاً من تاريخ مصر القديم واتخذ أشكالا عدَّة تمثل أبرزها في الأعيادٌ والاحتفالات دينيَّةٌ التي تقدَّم فيها عظاتٌ، ومسرحيَّاتٌ، ورقصاتٌ وإخباريَّاتٌ، تستقطب اهتمام النَّاس، وكانت هذه الصُّور تسجَّل على جدران المعابد وأوراق البردى، يقول جيمس برستد الخبير في التاريخ المصري القديم: " إنَّ المسلات المصريَّة كانت تمثل إحدى الوسائل الإعلاميَّة، بما كان يُسجل عليها من مفاخر حضاريَّةٍ إلى جوار ما تؤديه من وظيفة دينيَّة".

في المجمل كانت تلك الطقوس والمسلات وحتى الأهرامات تعتبر وسائل إعلام مجدت للفرعون ومنحته لقب الآلهة، ووطدت لحكم الكهنة في تلك الفترة، فأحسنوا استغلالها جيدا.

لم يكن اليونانيون أقل اهتماما من نظرائهم الفراعنة في مسألة إدراك أهمية الإعلام، فقصائد الشاعر هوميروس كالإلياذة والأوديسة، ما هي إلا تمجيد لبطولات اليونانيين وحروبهم في طروادة وغيرها. الفيلسوف اليوناني أفلاطون في كتابه الجمهورية والذي وصف فيه رؤيته للمدينة الفاضلة، ركز على تعليمات تفصيليَّة حول ما ينبغي أن يقال للأهالي، وكان ينظر إلى الخطابة كفن إقناع ضروريٍّ لرجل الدَّولة، يلزم أن يتعلمه ضمن برنامجه في تعلُّم السِّياسة.

كذلك عني أرسطو بالخطابة والبالغة مبينا أثرها على العامة فقال: " إنَّ الخطابة هي القدرة على النظر في كلِّ ما يوصل إلى الإقناع في أية مسألة من المسائل".

الرومان بإمبراطورتيهم المترامية الأطراف، وحروبهم التي عايشوها كطقس رئيس من طقوس حياتهم اليومية، أدركوا أهمية الإعلام، وسعى الأباطرة لزف بشائر النصر لروما عبر رسل من الفرسان، وكيف كانوا يهتمون بترتيبات استقبال موكب القائد المنتصر مع هالة فيها كثير من الإخراج بما يشابه في يومنا هذا عمليات المونتاج لحفلات استقبال الزعماء والحكام.

كما عدت النشرات اليومية التي كانت تسمى الأكتادورينا، وهي نشرات حكوميَّة تُعلَّق يوميَّاً في الميادين العامَّة بما يشبه الملصقات اليوم، من ثم تُحفظ كوثائق رسميَّة يُرجع إليها بعد ذلك، وكانت تحتوي أخباراً رسميَّةً مثل أخبار المحاكم والبلاط والمراسيم، وأخباراً أخرى خاصَّةً مثل أخبار المواليد والوفيَّات والزِّيجات وغيرها، فغدت بهذا سلفاً للصُّحف بشكلها الحالي.

لم ينحصر اهتمام الرومان بالإعلام بروما فقط، بل كانوا يملكون ألية للتواصل وتبادل الأخبار بين الولايات الأخرى والمدن البعيدة، عرفت بالرسائل الإخبارية، يقوم بصياغتها أفراد مختصين بكتابة الأخبار بحرفية كوسيلة تصل طبقة النبلاء ورجال الأعمال، بطبقة الحكام والبرلمان.

يكفي أن نعرف أن أول صحيفة تعنى بالقوانين كانت في عهد حمورابي عام 210 ق.م الذي تنسب إليه أول صحيفة ظهرت في العالم، تحت مسمى (مجموعة حمورابي للقوانين) التي عدها علماء التَّاريخ أول صحيفةٍ لتداول القوانين، مثل صحيفة الوقائع المصريَّة وغيرها من الصُّحف الرَّسميَّة.

                                                            الإعلام في عصر النهضة وظهور الفكر المتنور

إنَّ أول قفزة للإعلام المقروء، كانت في اكتشاف المطبعة، حين قام جوتنبرج في العام 1436م، باختراع المطبعة التي تستخدم الحروف المعدنية المنفصلة، حيث أصبحت عملية الطبع والنَّشر أسهل من ذي قبل، لكن لم تحظى المطابع في بداية الأمر باهتمام كبير، فكان مردود المؤسَّسات الطِّباعيَّة قليلاً نظراً للتَّكلفة الباهظة، فلجأ أصحاب هذه المؤسَّسات إلى تغذية فضول النَّاس، وذلك بنشر أخبار الأحداث السِّياسيَّة الكبرى، ثمَّ نشر الأفكار والنَّزعات النَّاشئة عن النَّهضة والإصلاح الدينيِّ، وفي بداية القرن السَّابع عشر ولدت فكرة جمع الأخبار.

ظهرت أول صحيفة في أنفرس ببلجيكا قام بها أبراهام فيوهوتن في تلك المدينة، وظهرت ستراسبورغ سنة 1606م إحدى أوائل الصُّحف في فرنسا ثمَّ صحيفة الأغازيت سنة 1631م.

مع تحول المجتمعات في غرب أوروبا من النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي وظهور الطبقة البرجوازية في القرن التاسع عشر، تحولت كذلك ماهية الصحف وأغراضها.

بحيث استخدمت الصحف الخبرية، من قبل الطبقة البرجوازية النامية، لتلبي حاجاتهم من أخبار التجارة والمال وتغيرات السوق، وساعد نشوء خدمات البريد على سرعة وصول الصحف إلى المشتركين، وسرعة وصول الأخبار من مختلف الأماكن إلى البلد الذي تصدر فيه الصحيفة، ما أدى لزيادة الاهتمام بالصحف وكثر قرائها.

في الوطن العربي كان الأمر مشابها الى حد ما الحال الاوربية، من ناحية ظهور الصحف واستخداماتها، فكانت صحيفة (الوقائع المصرية) التي أصدرها محمد علي باشا، والي مصر، عام 1828. وكانت منذ بدايتها ولفترة طويلة بعد ذلك صحيفة خبرية تكتفي بنشر أخبار الدولة وأوامرها وتعليماتها لكبار الموظفين وللجمهور وذلك لخدمة طموح محمد علي في بناء دولة حديثة.

                                                                          من نقل الأخبار الى النقد والتحليل

بفعل متغيرات عدة أفرزتها التبدلات السياسية، وزيادة الوعي الناجم عن التطور والحداثة في عصر النهضة، سرعان ما تغيرت وظائف الصحافة وتحولت من صحافة خبرية الى صحافة رأي وتحليل وتعليق.

وتعتبر قيام الثورة الفرنسية بداية التاريخ الفعلي لصحافة الرأي، فما أن قامت الثورة الفرنسية أو "أم الثورات" كما يسمونها، حتى تغير الحال، واحتلت الصحافة مكانة مرموقة وسط المجتمع، ولعبت دوراً بارزاً في حياة الفرنسيين، مع اقتناع قادة الثورة وقتها، بضرورة إيجاد وسيلة اتصال عصرية تربط بينهم وبين الشعوب، تعمل على تبادل الآراء وقياس رضا الشعب عن أداء الحكومة، فوجدوا في الصحافة ضالتهم، فعملوا على استغلالها بشكل أمثل، عبر تطويرها وإدخال عنصر الأهمية والجاذبية من خلال إفساح المجال للكتاب والمفكرين والفلاسفة في ذلك العصر لإبداء آرائهم وتحليلاتهم ، مع منحهم حريات كاملة للتعبير، وأعلنت الثورة ثم طبقت مبادئ حرية الصحافة، وبذلك انتقلت الصحافة من صحافة رأي وتحليل وتثقيف ونقد أيضا.

القائد الفرنسي نابليون بونابرت يصف قيمة صحيفة (له موني تور) التي كانت لسان حكمه، بقوله: "لقد جعلت من موني تور قلب حكومتي وقوتها وكذلك وسيطي لدى الرأي العام في الداخل والخارج معاً".

لعبت الصحافة بتاريخها كذلك أدواراً مهمة حيوية في كشف الكثير من القضايا الجوهرية الأساسية والتي غيرت الكثير من أحداث التاريخ، وكانت بالمرصاد في محاربة الخارجين على القانون والفاسدين وكشف زيف المبدعين. نجحت أحيانا بعض الصحف في عزل كبار المسؤولين من مناصبهم، وفي أن ترسل العديد من السياسيين وكبار رجال الأعمال المنحرفين إلى السجون، عبر تسليط الضوء على أعمالهم التي كانت تجري بالخفاء، وفضحهم أمام الرأي العام، فبات ما يعرف لاحقا بمصطلح (السلطة الرابعة) بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

                                                                           الحداثة والتطور في خدمة الإعلام

مع مطلع القرن العشرين، وقيام الثورة الصناعية، كان الإعلام أكبر المستفيدين منها، حيث انتبه العلماء إلى الحاجة لإيجاد وسائل إعلامية أكثر سرعة من الوسائل الإعلامية التقليدية المتوفرة لديهم، فأتى اختراع البث الراديوي ونشوء الإذاعات المسموعة، ليضفي نمطا جديدا على الإعلام ينقله من حيز المقروء الى المسموع، فعرف الإعلام الإذاعي، وانتشر بسرعة كبيرة ودخل الى كل منزل وحي، حتى في البلدان النامية والفقيرة، وخاطب جميع فئات الشعب من صغيرهم حتى كبيرهم، ومن ذكرهم حتى انثاهم، وهنا أصبح الإعلام أكثر تأثيرا بالذائقة العامة، والتحكم بالجماهير وحشدها نحو قضية ما، أو صرفها واستعدائها لقضية أخرى.

أتى فيما بعد التلفاز ليضاف لسابقه المذياع كوسيلة لبث الأخبار بالصوت والصورة معا، والتي اتقن صانعوها فن التحكم بالصورة خدمة لمشروعهم وترسيخا لأفكارهم، واستمرا معا يؤثران في الرأي العام وأكثر ما تجلى ذلك في الحروب الكبرى، كالحربين العالميتين الأولى والثانية.

                                                            إعلام الحروب ونشوء الغوبليزيون (صناعة الكذب

تتطلب الحروب في كل وقت وزمان الى حشد الناس واستنفارهم ضد هدف ما، مع إضفاء شرعية على تلك الحرب كي يؤمن بها أنصارها ويموت في سبيلها الآلاف في كل مرة، فمن الحملات الصليبية ودعوى حماية المقدسات، واللعب على مشاعر المؤمنين من السذج والبسطاء، خدمة لمطامع الملوك في خيرات البلدان الأخرى، مرورا بدعاوي التحرر والتنوير التي صبغت مجازر الأوربيين ضد سكان الأراضي الأصليين في استراليا والأمريكيتين، أو في مجاهل افريقيا وسياسة العبودية والاتجار بالرقيق.

لهذا لم يغفل الزعماء في القرن العشرين أهمية دور الإعلام، بخاصة بعد التطور التقني الذي شهده ذلك القطاع، ولعل الدعاية التي عمل بها وطبقها الزعيم الألماني النازي هتلر، خير مثال على الدور الذي لعبه الإعلام في تحريك الشعور الوطني، وحشد طاقات الجماهير خلف زعيمهم وترسيخ قناعاته وافكاره في الأذهان لتصبح فيما بعد، ومع اتباع سياسة التكرار والتكريس، من الأمور الراسخة والقناعات التي لا تقبل المساومة أو الشك فيها.

وكي يتمكن زعيم ما من الـتأثير بشعبه لدرجة تشبه السحر إن صح التعبير، لا بد له من أضفاء لمسات فنية تجعل من خطابه أكثر حماسة، وتجعل من الأحداث أكثر ضخامة وأثرا، حتى يصدقها الجمهور وترسخ في أذهانه، حتى وإن أضطر ذلك الزعيم الى الكذب والتضليل في أحيان كثيرة، لا يهم ما يهم برأيه ورأي من حوله من سياسيين أن يستغل الإعلام بكل وسائله، لإقناع جمهوره بصدق كذبهم، معتمدين فكرة تكرار الكذب حتى يطغى على الحقيقة ويحل مكانها عنوة في الأذهان.

عن هذا يقول القائد الألماني الشهير (غوبلز) ووزير إعلام هتلر في الحرب العالمية الثانية: "أكذب ثم أكذب حتى يصدقك عدوك". فإذا كان هذا حال العدو فما بالك بحال الصديق والمؤيد المتبني للفكر النازي.

                                                           البلشفية والتركة الغوبلزية النازية واتقان البروباغاندا.

في العام 1916 ومع نشوء الثورة البلشفية بقيادة لينين والتي تحمل فكرا ماركسيا شيوعيا، عمل زعماء الاتحاد السوفيتي الناشئ آنذاك على ترسيخ فكر الشيوعية ومحاربة كل الأفكار الأخرى واقصائها، مستخدمين لهذا الغرض كل الوسائل المتاحة، كالترهيب والترغيب وكسب الولاءات، وكان للإعلام النصيب الأكبر في توجيه الشعب الروسي واحلال الشيوعية مكان القيصرية البائدة.

واتقنت الشيوعية استخدام (البروباغاندا) بشكل فعال، وهو مصطلح يعني نشر المعلومات بطريقة موجهة أحادية المنظور باستخدام رسائل مركزة بهدف التأثير على أكبر قدر ممكن من الأفراد.

ومع خسارة الألمان وهتلر للحرب العالمية الثانية، وسطوع نجم الزعيم الروسي (ستالين) كمنتصر وقاهر للنازية، سعى الأخير لتوطيد اركان حكمه ومحاربة كل دخيل على الفكر الشيوعي قد ينجم عن مخالطة الأفكار القادمة عبر البحار البعيدة، المتمثلة بالفكر الرأسمالي الغربي وزعيمته الولايات المتحدة الأمريكية، فنجح ستالين بهذا وصهر الشعب الروسي في بوتقة الحزب الواحد وكمم الافواه المعارضة وأخرس كل صوت ينتقده، وعملت المكنة الإعلامية الروسية على زرع الشيوعية في أذهان المواطنين منذ ولادتهم، لترافقهم طيلة مراحل الحياة. حتى بات الإعلام الروسي مدرسة ينهل منها كل طاغية مستبد، يستأثر بحكم البلاد والعباد، فارضا بالقوة رؤيته عليه، سالبا حقه في النقد والتعبير وحرية الراي.

من أفضل تلامذة تلك المدرسة كان نظام البعث الحاكم في سوريا وزعيمه حافظ اسد الذي اتقن فن صناعة الكذب الإعلامي بشكل تفوق فيه على غوبلز الاب الروحي وستالين المعلم.

                                                                             إعلام أسد والقائد الأوحد يختزل البلد

مع قدوم حافظ أسد للسلطة بعيد انقلابه الدموي عام 1970، أو ما سمي فيما بعد بالحركة التصحيحية، تلك الحركة التي أفضت لتفرد الأسد بكرسي الحكم وتخلصه من خصومه وحتى ممن دعمه في انقلابه كصلاح شديد عسكريا وميشيل عفلق والبيطار سياسيا، عمد الأسد لترسيخ أركان حكمه عبر استغلال المكنة الإعلامية على أحسن وجه، حتى تحولت الى ما يشبه فرقة أمنية لا إعلامية تنطق بما تمليها عليها الجهات الأمنية العليا، وليتحول الصحفي والإعلامي الى مجرد موظف أو ببغاء يردد ما يلقن له حرفيا، والويل كل الويل إن أخطئ الببغاء يوما.

بهذا بات القائد والرمز والفلاح والعامل والطبيب والمفكر وو..الخ الأول شخص "السيد الرئيس"، وصار الشعب مواشيا تعلف في زريبته وتسمن لحين الحاجة، وعليهم أن يلهجوا بالثناء لجزارهم.

البلد أصبح المزرعة الشخصية له بنفطه وثرواته الباطنية والسطحية، وما من قلم ناقد أو صوت معترض، فخلف كل باب مخبر سري يحصي الأنفاس ويرقبها، ولغة إعلامية تصور هزيمة القائد نصرا وخيانته وطنية وجبنه بطولة منقطعة النظير.

استمر الحال حتى عام 2000 حيث ظن الشعب أنهم تنفسوا الصعداء بموت طاغية الشام الأول أيضا، وتفاءلوا بالأبن أن يكون خيرا من سلف مجرم وسفاح، لكنهم كما يقولون "الولد سر أبيه" وطبعا لا ننسى أن مكنة الأسد الأب الإعلامية باتت أكثر ابداعا واتقانا لفن الكذب والتضخيم والتمجيد، فأكتفت باستبدال الصمود والتصدي بالممانعة والمقاومة، والتصحيحية بالتطوير والتحديث، وليظل المضمون والواقع على حاله.

لا ننكر ان بعض الانفراجات الصغيرة هنا أو الفسحات الإعلامية الممنوحة هناك، كالتغاضي عن أصوات ناقدة كمجلة الدومري الكاريكاتورية والفرات أيضا، وعدد من المنتديات الاجتماعية والفكرية، عد تغيرا نحو الأفضل وحالة صحية بعد أربعة عقود من تكميم الأفواه. لكن كل هذا تبين زيفه عندما عرته رياح الثورة الشعبية على الملأ، وأصابع علي فرزات المكسرة، وهو رسام الكاريكاتور السوري وصاحب الدومري، دليل يشهد على حجم حقد نظام الأسد وألته الأمنية علة الإعلام الصادق والناقد.

                                                                         الثورة نقطة تحول نحو إعلام أكثر حرية

مع قدوم رياح التغيير على الوطن العربي، وقيام الثورة في سوريا ونزول الناس الى الشارع مطالبة بحريتها المهدورة وحقوقها المغتصبة، حتى قابلها اجرام وقتل وتنكيل من ألة الأسد العسكرية والأمنية، فظهرت الحاجة للتوثيق وايصال الصوت والصورة للعالم ليرا بأم عينه من ظنه دكتورا كيف رمى قناع وجهه ليظهر الدكتاتور تحته.

من هنا وعبر هواتف جوالة وكاميرات بسيطة، بدأت المشاهد توثق ويشاهدها العالم باسره عبر قنواته الإعلامية، ليدرك المتظاهرون أهمية الإعلام وأيضا ليدرك نظام الأسد خطورته فيعمد الى ملاحقة كل من يحمل هاتفا في تظاهرة، ولتصبح عبارة إعلامي تهمة تفوق حمل السلاح بنظر النظام واتباعه.

بوسائل بسيطة ومجموعة هواة شق الإعلام الثوري طريقه منذ البدايات، لم يكن يضم الأكاديميين وقتها وبلا تقنيات متطورة ولا تقنيين، جل ما يملكه ايمان بعدالة القضية وحسا وطنيا عاليا دافعه واجبه لنقل الحقيقة ليراها العالم ويفضح جرائم النظام ومؤيديه. ويؤذن لفجر إعلام جديد أكثر صدقا وموضوعية، وإن كان اقل حرفية.

مصداقية إعلام الثورة دفعت ليس فقط قنوات إعلام كبرى لاعتماده كمصدر معلومات ميداني، بل امتد أثره لبلغ نفوس مؤيدي نظام أسد فراحوا يستقون الاخبار الصحيحة من صفحات إعلاميين ثوريين لعلمهم الداخلي ويقينهم بكذب النظام الذي ما عاد سرا.

وتمر السنون على عمر الثورة ويتأطر العمل الإعلامي بشكل شبه مؤسساتي ويكتسب الإعلاميون خبرة والبعض حاز الأكاديمية بشكل أو بآخر، لكنه تطور رافقه تراجع لحد ما في مستوى الزخم الذي طالما حظي به ليس فقط خارجيا لكون الراي العام الخارجي يخضع لسياسات دولية وموازين خاصة، بل تعداه للداخل حيث بتنا نلحظ ما يشبه فجوة بين الخطاب الإعلامي والأخبار التي تنشر وبين جمهوره الداخلي من قراء ومتابعين، وأخطر ما يضر بالإعلام ابتعاد الناس عنه وفقدانه لقاعدته الشعبية، فوجب التنبه لهذه الظاهرة ومحاولة التصدي لها ومعرفة أسبابها ومن ثم محاولة إيجاد الحلول.

                                             جلسة حوار إعلامية خطوة أولى على الطريق الصحيح لكنها لا تكفي

بعد تنبه مجموعة من الإعلاميين في الشمال لبروز تلك الفجوة على السطح، تنادوا لعقد ندوة حوار ونقاش جمعت نخبة من المثقفين والمهتمين من مواطني الشمال السوري بمجموعة من الأسماء الإعلامية المميزة ناقشت الفجوة وأكدت على وجودها وحاولت حصر أسبابها فكان مما طرح فيها من أسباب:

  • كثرة من يدعون العمل الإعلامي دون رقيب او ضوابط ما أثر على الناتج الكلي للإعلام.
  • تراجع اهتمام المجتمع بالإعلام والتفاته لهموم حياته اليومية.
  • تشعب مصادر الخبر وضبابية المشهد العام وصعوبة الحصول على المعلومة الصحيحة.
  • استغلال البعض للحالات الإنسانية تحت مسمى اعلامي ما أفقد المواطن الثقة بالإعلامي الصادق.

وأسباب كثيرة أخرى لا مجال لذكرها تناولها النقاش، ليخرج بالنهاية بتصور يفضي لضرورة إيجاد هيكلية تنظيمية من إعلاميين معروفين كرابطة او كيان جامع يوحد الخطاب الإعلامي ويدعم العمل الصحفي والصحفي الانسان أيضا ويحمي المواطن من الاستغلال إعلاميا أو إنسانيا، بهدف إعادة الزخم للإعلام الثوري واستعادته لمرتبته الأولى ولشفافيته التي ميزته عن وسائل إعلامية أخرى.

الحوار ابتدأ بتلك الجلسة لكنه لم يغلق الباب فكل من شارك بالحوار تمنى أن يعقب الجلسة جلسات عدة ليشارك فيها كل إعلاميي الشمال ومثقفيه، لتوحيد الجهود نحو الوصول لنتيجة مرضية، وخطاب جامع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات

لا يوجد تعليقات، كن أول من يعلق

اقرأ أيضًا

© 2024 - جميع الحقوق محفوظة لصالح منصة ساي